يا معشر المثقفين أين أنتم؟
انتهى معرض الكتاب الذي أقيم في الدوحة مايو٢٠٢٤، واسدل الستار على جميع الاحتفاءات الفكرية والثقافية، وساد الصمت الثقافي مرة أخرى، وحينما نلتقي بتلك المحافل التي كانت فرحا لكل مثقف أو قارئ ومهتم، نحتاج إلى زمن، نعم يفرح المثقف بها، ولا أبالغ أنها كالأهازيج حينما تتنقل من حي إلى حي، وتنهل بالعلم والمعرفة، وتلتقي برواد العلم، والكتّاب، ولا يتوقف الموضوع عند توقيع على إصدار جديد، الموضوع أعمق بكثير من هذا وذاك.
انتهى المعرض وكم تمنيت أن يستمر هذا الحدث طوال العام بلا توقف، يستمر في سد التعطش الفكري للكثير المهتم، ويكون المعرض مزارا للعلم، والمعرفة والثقافة، والاطلاع والقراءة، والأهم التواصل الفكري عن قرب، وتوالد الأفكار، والتنافس بين المدربين والمفكرين والشعراء والقراء، والحرص كل الحرص على التواجد، وقد كان البعض في حيرة ثقافية لذيذة ومبهجة للعقل من أين نبدأ اليوم؟، وأين سننتهي؟، لكثافة الفقرات والحلق، وقد كان المعرض نابضا، ومشعا بالعلم، والعلوم والمعرفة.
لماذا توقف كل هذا بعد إسدال الستار آخر يوم؟ لما خبت الأصوات الفكرية والمفكرين، وتحولقوا في دائرة العزلة، والبعد عن الإعلام أو التواجد في مقر "أدبي" يحفز على الانصهار بين الطبقات الفكرية، دون النظر إلى العمق والعمر، محققا بذلك الاستفادة القصوى من جميع التجارب والتجاذب الفكري لأبعد الحدود، بين أشخاص يتنافسون على العلم والثقافة وترسيخ أواصل الاستزادة العلمية والفكرية، والسعي خلف الجديد الباهر، والإبحار في القديم المثرِ، والترابط يكون بين أجيال مختلفة للمناقشة، والتعلم، والتأدب أيضا، وممارسة كافة الحقوق في الحوار، والتعلم من الخطأ والتوجيه الراقي من المفكرين وأصحاب الخبرات العلمية والعملية.
نعم نحتاج إلى أكثر من معرض كتاب يدار بهذا الفكر الراقي، نحتاج إلى الكثير من النقاشات الفكرية المتاحة للجميع بلا حدود، يجمعهم خط الثقافة، وأيضا إتاحة الفرصة للاحتفاء بالرموز الثقافية والفكرية والاجتماعية وتوثيق حياتهم ومسيرتهم والاستفادة من تجربتهم، وتقديم معرفي يتناسب مع الجميع، وإن اختلفوا.
نحتاج في هذا الزمن إلى أكثر من تجمع أدبي أو صالون ثقافي، علينا أن نخدم المشهد الثقافي بتنوعه، وذلك لأهمية المثقف ودوره الكبير في المجتمع خاصة إذا وجد بيئة خصبه تغذي أطروحاته ونقاشاته والقضايا التي يؤمن بها.
نعم علينا اليوم أو غدا أن نبدأ بالاهتمام بالحركة الثقافية، ونسهم بشتى الطرق والوسائل لتجميع النخبة، والمهتمين والمثقفين، لأننا نحتاج إلى تجمعات حقيقية لأشخاص يشبهون ميولنا واهتماماتنا وقراءتنا، في بيئة ثقافية مبنيه على الحب، والتواضع واحترام ثقافة الاختلاف.
الدولة تدفعنا دفعا للإبداع والتميز في كافة الميادين الحياتية، وكل ما يطور الفرد في المجتمع، وعلينا أن نسخر كل الوسائل الممكنة لأجل تحقيق هذا الهدف من خلال بناء أهداف ورؤية ومنهج تنظيمي يوائم متطلبات العصر، وجذب روادها عبر برامج تطويرية تشبع رغبات وتطلعات جميع المثقفين في الدولة، وتوظيف خدمات التقنية الحديثة وإنشاء مواقع إلكترونية تستعرض فيها معطيات نشاط ومنجز الفكر والإبداع في المشهد الثقافي، وإتاحة الفرصة للجميع بهدف تحقيق التمازج الفكري بين أجيال متعددة، حتى تتلاقح الأفكار، وإلقاء الضوء على تفاصيل قد تكون مغيبة عند البعض التي تحتاج إلى تفسير، توضيح ومناقشة، وتصحيح بعض المسارات والارتقاء بأدب الحوار الذي يقوم على احترام الآخرين.
آخر الكلام:
علينا أن نأخذ الثقافة في المجتمع على محمل الإبداع والتميز والهمة العالية.
تعليقات
إرسال تعليق